فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (28):

{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)}
(28)- فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا فِي هَذَهِ البُيُوتِ أَحَداً يَأْذَنُ لَهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا، كَانَ عَلَيْهِمْ أَلا يَدْخُلُوهَا، وَإِذَا كَانَ أَهْلُ البَيْتِ فِيهِ، وَلَمْ يَأْذَنُوا بالدُّخُولِ، كَانَ عَلَى الزَّائِرِ الانْصِرَافُ، وَلَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغَضبَ، أو يَسْتَشْعِرَ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ الإِسَاءَةَ إِلَيْهِ، أو النُّفْرَةَ مِنْهُ، فَلِلنَّاسِ، أسْرَارُهم وَأَعْذَارُهُم وَيَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ حَقُّ تَقْدِيرِ ظُرُوفِهِمْ. وَاللهُ هُوَ المُطَّلِعُ عَلَى خَفَايَا القُلُوبِ، وهُوَ العَلِيمُ بالدَّوافِعِ.
أزْكَى لَكُمْ- أطْهَرُ لَكُمْ مِنْ دَنَسِ الرِّيبَةِ والدَّنَاءَةِ.

.تفسير الآية رقم (29):

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}
{مَتَاعٌ}
(29)- وَلا بَأسَ عَلَيْكُم أَيَّها المُؤْمِنُونَ فِي أَنْ تَدْخُلوا بُيوتاً غَيْرَ مُعَدَّةٍ لِسُكْنَى قَوْمٍ مُعَيِّنِينَ، وَلَكُمْ فِيها مَتَاعٌ، كالحَمَّامَاتِ، والفَنَادِقِ، والخَانَاتِ المُعَدَّةِ لاْسْتقْبَالِ العَامَّةِ، فَإِذَا أُذِنَ لِلزَّائِرِ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَفَى، وَرَقَابَتهُ عَلَى سَرَائِرِكُم وَعَلانِيتِكم، وَفِي هَذِهِ الرَّقَابَةِ ضَمَانَةٌ لِطَاعَةِ القُلُوبِ وامْتِثَالِهَا للأَدَبِ الذي يُؤْدِّبُها بِهِ الله.
جُنَاحٌ- جُرْمٌ أَوْ إِثْمٌ أو حَرَجٌ.
مَتَاعٌ لَكُمْ- مَنْفَعَةٌ لَكُمْ وَمَصْلَحَةٌ.

.تفسير الآية رقم (30):

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
{أَبْصَارِهِمْ}
(30)- يَأْمُرُ اللهُ عِبَادَه المُؤْمِنِيِنَ بِأَنْ يَغُضُوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِم، فَإِذَا اتَّفَقَ أَنْ وَقَعَ البَصَرُ عَلَى مُحَرِّم عَلَيْهِمْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَعَلى المُؤْمِن أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ بَصَرَهُ سَرِيعاً، كَمَا يَأَمُرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِحِفْظِ فُرُوجِهم عَنِ الزِّنَى، وبِحِفْظِها مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، فَذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَزَكَى لِدِيِنهِم.
وَفِي الحَدِيثِ، «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
يَغْضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ- يَكُفُّوا نَظَرَهُمْ عِنِ المُحَرَّمَاتِ.

.تفسير الآية رقم (31):

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
{لِّلْمُؤْمِنَاتِ} {أَبْصَارِهِنَّ} {آبَآئِهِنَّ} {آبَآءِ} {أَبْنَآئِهِنَّ} {إِخْوَانِهِنَّ} {أَخَوَاتِهِنَّ} {نِسَآئِهِنَّ} {أَيْمَانُهُنَّ} {التابعين} {عَوْرَاتِ} {أَيُّهَ}
(31)- وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبَصَارِهِنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا لا يَحِلُّ لَهُنَّ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، وأَنْ يَغْضُضْنَ بَصَرَهُنَّ عَنِ النَّظَرِ إِلى الرِّجَالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ، لأَنَّهُ أَوَلى بِهِنَّ وَأَلْيَقُ، وَأَنْ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عَنْ الفَوَاحِشِ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ لَهُنَّ، وَعَنْ أن، يَراهُنَّ، أَحَدٌ، وَأَنْ لا يُظْهِرْنَ شَيئْاً مِنَ الزِّينَةِ للأَجَانِبِ إِلا مَا لا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ كالرِّدَاءِ والثِّيَابِ والخلخَالِ (وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: الوَجْهِ والكَفَّيْنِ والخَاتَمِ)، وأَنْ يُلْقِينَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى فَتْحَاتِ ثِيَابِهِنَّ عِنْدَ الصُّدُورِ (جُيُوبِهِنَّ) لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَأَعْنَاقُهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ حَتَّى لا يُرى مِنْهَا شَيءٌ، وَأَنْ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ (كالسِّوارِ والخَاتَمِ والكُحْلِ والخِصَابِ...) إِلا للأَزْوَاجِ وآبَاءِ الأَزْوَاجِ والإخْوَةِ وأَبْنَائِهِمْ، وَأبْنَاءِ الأَخَوَاتِ، وأَبْنَاءِ الأَزْوَاجِ، وَبَقِيةِ المَحَارِمِ الذينَ عَدَّدهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ، أو لِلنِّسَاءِ المُسْلِمَاتِ (نِسَائِهِنَّ- وَقِيلَ إِنَّ نِسَاءَهُنَّ تَعْنِي النِّسَاءَ المَخْتَصَّاتِ بِصُحْبَتِهِنَّ وخِدْمَتِهِنَّ)، أو لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنْ عَبِيدَ مُسْلِمِينَ (وَقِيلَ حَتَّى لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ)، أو الأتْبَاعِ المُغَفَّلِينَ وَفِي عُقُولِهِمْ وَلَهٌ، وَلا يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ (وَهُمْ التَّابِعُونَ غَيْرُ أوْلِي الإِرْبَةِ مِن الرِّجَالِ)، أو لِلأَطْفَالِ الصِّغَارِ الذين لا يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ، أَمَّا إذَا كانَ الطِّفْلُ مُرَاهِقاً أَوْ قَرِيباً مِنْهُ، يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ والحَسْنَاءِ فَلا يُسْمَحُ لَهُ بالدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ.
كَمَا أَمَرَهُنَّ بِأَنْ لا يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي أَرْجُلِهِنَّ الخَلاخِيلُ فَيَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ الأَرْضَ ليُسمَعَ صَوْتُ مِشْيَتِهِنَّ، وَلِتَلْتَفِتَ الأَنْظَارُ إِلَيْهِنَّ، كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ نِسَاءُ الجَاهِلِيَّةِ.
وَفِي الحَدِيثِ «الرَّافِلَةُ فِي الزَّيِنَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَمِثْلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ القِيَامَةِ». أَخْرَجَهُ الترْمَذِي.
وارْجِعُوا تَائِبينَ إِلَى طَاعَةِ اللهِ يا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، وافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ ربُّكُم مِنَ التَّخَلُّقِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الجَمِيلَةِ والأَخْلاقِ الحَمِيدَةِ، واتْرُكُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ أهلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنَ الصِّفَاتِ والأْخْلاقِ الذَّمِيمَةِ، فإِنَّ الفَلاحَ فِي فِعْلِ ما أَمَرَ اللهَ وَرَسُولُه بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَيا عَنْهُ.
زِينَتَهُنَّ- مَوَاضِعَ زِينَتِهِنَّ مِنَ الجَسَدِ.
ظَهَرَ مِنْهَا- الوَجْهُ والكفَّانِ والقَدَمَانِ.
ولْيَضْرِبْنَ- وَلْيُلْقِينَ وَيُسْدِلْنَ.
بِخُمُرْهِنَّ- أَغْطِيَةِ رُؤُوسِهِنَّ والمَقَانِعِ.
جُيُوبِهِنَّ- فَتَحَاتِ ثِيَابِهِنَّ عِنْدَ الصُّدُورِ.
نِسَائِهِنَّ- المُخْتَصَّاتِ بِخَدْمَتِهِنَّ وَصُحْبَتِهِنَّ.
أُولِي الإرْبَةِ- أصْحَابِ الحَاجَةِ إِلَى النِّسَاءِ.
لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ- لَمْ يَبْلُغوا حَدَّ الشَّهْوَةِ.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}
{الأيامى} {الصالحين} {إِمائِكُمْ} {وَاسِعٌ}
(32)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى بِمَدِّ يَدِ المُسَاعَدَةِ، بِكُلِّ الوَسَائِلِ، لِمَنْ أَرَادَ التَّزَوُّجَ، وَلا زَوْجَ لَهُ مِنَ الأَحْرَارِ والحَرَائِرِ (الأَيَامَى مِنْكُم- والأَيِّمُ هُوَ مَنْ لا زَوْجَ لَهُ ذَكَراً أَوْ أَنْثَى) القَادِرِ عَلَى النِّكاحِ، والقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجيَّةِ، مِنَ الصَّحَّةِ والمَالِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: رَغَّبَهُم اللهُ فِي التَّزَوُّجِ وأَمَرَ بِهِ الأَحْرَارَ والعَبيدَ، وَوَعَدَهُم عَلَيْهِ الغَنِى (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهم اللهُ) واللهُ واسِعُ الفَضْلِ، عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ العِبَادِ.
أَنْكَحُوا الأَيَامَى- زَوَّجُوا مَنْ لا زَوْجَ لَهَا، وَمَنْ لا زَوْجَةَ لَهُ.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)}
{الْكِتَابَ} {أَيْمَانُكُمْ} {وَآتُوهُمْ} {آتَاكُمْ} {فَتَيَاتِكُمْ} {الحياة} {إِكْرَاهِهِنَّ}
(33)- وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سَبيلاً إِلى التَّزَوُّجِ، فإِنَّ الله يَأْمُرُهُ بالتَّعَفُّفِ عَن الحَرَامِ، إِلى أَنْ يَمُنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِمَا يُمْكِّنُهُ مِنَ الزَّوَاجِ. وإِذَا طَلَبَ العَبْدُ مِنْ سِيِّدِهِ أَنْ يَكَاتِبَهُ عَلَى مَالٍ يُؤدِّيهِ إِليْهِ مِنْ كَسْبِهِ مُقَسَّطاً وَمْنجَّماً، فَإِنَّ اللهَ يَأْمُرُ سَيِّدَهُ بِأَنْ يُكَتِبَهُ. إِذَا قَدَّرَ أَنَّ لِلْعَبْدِ حِيلَةً، وَقُدْرَةً عَلَى الكَسْبِ، وأَمَانَةً وَصِدقاً.
(وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الأَمْرَ أَمْرُ إِرْشَادٍ واسْتِحْبَابٍ لا أَمْرَ إِيْجَابٍ، فَإِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ، وإِنْ شَاءَ لَمْ يُكَاتِبْهُ).
وَاخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الذِي آتاكُم}. والأَكْثَرُونَ مُتِّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: اطْرَحُوا لَهُمْ مِنَ الكِتَابَةِ بَعْضَها.
وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ المَقْصُودُ هُوَ النَّصِيبُ الذي فَرَضَ اللهُ لَهُمْ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. وَعَلى كُلٍّ فَإِنَّ الله تَعَالَى قَدْ حَثَّ جَمِيعَ المُؤْمِنِينَ عَلَى عَتْقِ الرِّقَابِ، والإِعَانَةِ فِي تَحْرِيرِهَا.
وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: «ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: المُكَاتبُ الذي يُريِدجُ الأَداءَ، والنَّاكِحُ يُرِيدُ العَفَافَ، والمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ». رَوَاهُ أحْمَد والتِّرمذِيُّ.
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ لأَحَدِهِمْ أَمَةٌ أَرْسَلَهَا تَزنِي، وَجَعَلَ عَلَيْهَا ضَرِيبَةً أْخُذُهَا مِنْهَا كُلَّ وَقْت، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ نَهَى اللهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لَهُ إِمَاءُ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى البِغَاءِ طَلَباً لخَرَاجِهِنَّ، وَرَغْبَةً في أَوْلادِهنَّ، وَكَانَ بَعْضُ هَؤُلاءِ الإِمَاءِ يَأْبَيْنَ ذَلِكَ، وَشَكَوْنَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ فِيهِ. فَهُنَّ يُرِدْنَ التَّعَفُّفَ، وَهُوَ يُريدُ إِكْرَاهَهُنَّ لِيُحَصِّلَ خَرَاجَهُنَّ وَمَهُورَهُنَّ وَأَوْلادَهُنَّ.
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِذَا أَكْرَهَهُنَّ سَادَتهُنَّ عَلَى البِغَاءِ فإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ يَغْفِرُ لَهُنَّ إِثْمَهُنَّ، وَيَكُونُ الإِثْمُ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُنَّ.
وَيَقُولُ تَعَالَى: لا تُكْرِهُوا إِمَاءِكُمْ عَلى البِغَاءِ التِمَاساً لَعَرَضِ الدُّنْيَا، فَالزِّنَى عَمَلٌ قَبِيحٌ شَنِيعٌ، فَإِنَّ ذَا المُرُوءَةِ لا يَرْضَى بِفُجُورِ مَنْ يَحْوِيهِ بَيْتُهُ، فَكَيْفَ يَرْضَى شَهْمٌ عَاقِلٌ أَنْ يُكْرِهَ أَمَتَهُ عَلَى الزِّنَى وَهِيَ تُرِيدُ التَّعَفُّفَ والتَّحَصُّنَ؟
يَبْتَغُونَ الكِتَابَ- يَطْلُبُونَ عَقْدَ المُكَاتَبةِ المَعْرُوفَ.
فَتَيَاتِكُم- إِمَاءَكُمْ.
البِغَاءُ- الزِّنَى.
تَحًصُّّناً- تَعَفُّفاً وَتَصَوُّناً عَنِ الزِّنى.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
{آيَاتٍ} {مُّبَيِّنَاتٍ}
(34)- يَقُولُ اللهُ تَعَالَى إِنَّهُ أَنْزَلَ القُرآنَ وَفِيهِ آياتٌ مُبَيِّنَاتٌ لِمَا أَنْتُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ مِنَ الأَحْكَامِ والشَّرْعِ، كَمَا أَنْزَلَ فِيهِ قصَصاً تَحْوِي أَخْبَارَ الأُمَمِ الغَابِرَةِ، وَفِيهِ عِظَةٌ لِمَنِ اتَّقَى اللهَ وَخَافَهُ.

.تفسير الآية رقم (35):

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
{السماوات} {كَمِشْكَاةٍ} {مُّبَارَكَةٍ} {الأمثال}
(35)- اللهُ تَعَالَى هَادٍ أََهْلِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ بِمَا نَصَبَ مِنَ الأَدِلَّةِ فِي الأَنْفُسِ والآفَاقِ، وَبِمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رُسُلِهِ مِنَ البَيِّنَاتِ، فَهُمْ يَهْتَدُونَ إِلى الحَقِّ بِنُورِهِ، وَبِهِ يَنْجونَ مِنْ حيرَةِ الشَّكَّ والضَّلالِ. وَمَثَلُ الأَدِلَّةِ التي بَثَّهَا اللهُ فِي الآفَاقِ، والتي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ، فَهَدَى مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَثَلِ النُّورِ الثَّاقِبِ المُنْبَعِثِ مِنْ سِرَاجٍ ضَخْمٍ (مِصْبَاح) مَوْضُوعٍ فِي كُوَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مِنْ جِدَارٍ (مِشْكَاةٍ)، والمِصْبَاحُ يَقُومُ فِي قِنْدِيلٍ مِنْ زُجَاجٍ أَزْهَرَ صَافٍ (زُجَاجَةٍ)، وَهَذِهِ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ ضَخْمٌ مَضِيءٌ مِنْ دَرَارِي النُجُومِ ذَاتِ اللَّمَعَانِ الشَّدِيدِ، وَقَدْ رُوِّيَتْ فَتِيلَةُ هَذَا المِصْبَاحِ بِزَيْتٍ صَافٍ جِداً يُسْتَخْرَجُ مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةِ زَيْتُونٍ كَثِيرَةِ الخَيْرِ والمَنَافِعِ (مُبَارَكَةٍ)، زُرِعَتْ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ وَاسِعَةٍ، فَهِيَ مُعَرَّضَةٌ للشَّمْسِ، لا يُظِلُّها جَبَلٌ، وَلا يَحْجُبُ نُورَ الشَّمْسِ عَنْهَا شَيءٌ، مِنْ طَلُوعِ الشَّمُسِ، حَتَّى غُرُوبِهَا (وَمِثْلُ هَذِهِ الزَّيْتُونَة يَكُونُ زيْتُها أَشَّدَّ مَا يَكُونُ الزَّيْت صَفَاءً).
(وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبيَّةٍ، إِنَهَا لا شَرْقِيَّةٌ فَحَسْبُ، فَتَقَعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ مِنْ جِهَتِها الشَّرْقِيَةِ فَحَسْبُ، وَلا تُصِيبُها مِنْ طَرَفِهَا الغَرْبِيِّ، كَذَلِكَ لَيْسَتْ هِيَ غَرْبِيَّةً فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا تُصِيبُها الشَّمْسُ طُولَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى مَغِيبها، وَمِنْ جِمِيعِ جِهَاتِهَا).
وَهَذَا الزِّيْتُ يَكَادُ يُضِيءُ بِنَفْسِهِ لِشِدَّةِ صَفَائِهِ، وَلَوْ لَمْ تَمْسَسهُ نارٌ، فَإِذَا أُشْعِلَ اجْتَمَعَ نُورُ الزَّيْتِ، وَنُورُ النَّارِ فِيهِ وَأَضَاءَا مَعاً (نورٌ عَلَى نُورٍ).
وَكَذَلِكَ قَلْبُ المُؤْمِنِ يَعْمَلُ بالهُدَى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيهِ العِلْمُ، فَإِذَا جَاءَهُ العِلْمُ ازْدَادَ نُوراً على نُورٍ، وَهُدى عَلَى هُدىً، وَاللهُ يُرْشِدُ مَنْ يَشَاءُ إِلى الصَّوَابِ بالنَّظَرِ والتَّدَبُّرٍ، وَلِيدرِكُوا بِهَا مَعَانِي مَا أَرَادَ اللهُ. واللهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الهِدَايَةَ فَيَهْدِيهِ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الضَلالَ فَيُضِلُّهُ.
اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ 0 مُنَوِّرُهَمَا أَوْ هَادِي أَهْلِهمَا.
المِشْكَاةُ- الكُوَّةُ غَيْرُ النَّافِذَةِ فِي الجِدَارِ.
مِصْبَاحٌ- سِرَاجٌ ضَخْمٌ ثَاقِبٌ.
زُجَاجَةٌ- قِنْدِيلٌ مِنَ الزُّجَاجِ صَافٍ أَزْهَرُ.
كَوْكَبٌ دُرِّيٌ- مُتلألِئٌ صَافٍ.